لوحة الخوف
كل شىء فى هذه الليلة بدا خائفا ً و مخيفا ً فى نفس الوقت , حتى القمر توارى خلف السحاب خوفا ً أن تطيح به الأرض بعيدا ًعن محبوبته الأرض , الكلاب الضالة استقرت على جانبى الطريق بعد أن كبلتها قيود البرد , و أخذت تحك أجسادها بالأرض من شدة الجوع لكن هذا لم يمنعها أن تخيف المارة بنظرات من أعينها اللامعة فيسرعون الخطى ليراهم ذلك المصباح المتهالك أشباحا ً فيهتز يمينا ً و يسارا ًيرقب ما حوله فى خوف و ذعر.
أما أنا فكنت خائفا ً من كل شىء , من القمر يذكرنى بوحدتى , الرياح تذكرنى بضعفى , الكلاب تذكرنى بأعدائى حتى المصباح المتهالك ذكرنى بأملى الضعيف.
الشيء الوحيد الذي لم يكن خائفا ً هو ذلك المتشرد الذي استلقى على الأرض, أحسست أن شيئا ً يدفعني لإخافته حتى تكتمل لوحة الخوف. اقتربت منه محاولا ً إزعاجه بأقصى قدر ممكن شعرت بالانتصار عندما رأيته يعتدل في جلسته ليسند ظهره إلى جدار خلفه , أكملت طريقي كأني لم أفعل شيئا ً.
بعد أن جاوزته بقليل, صرخ في: "أعطني ما في جيبك" لن أنكر أنه أخافني أكثر مما أخفته أنا , كان من الممكن أن أتجاهله , و لكنى لم أكن مستعدا ً لأية مشاكل , فاستدرت واضعا ً يدي في جيبي لألقى له بعض النقود ليتركني و شأني , لكنه صرخ في بأعلى صوته: "أعنى الجيب الأخر" . يا إلهي كيف عرف أن الجيب الأخر يحتوى هذه القلادة الثمينة. أخرجتها في يأس ٍ و وضعتها بين يديه العفنة, لا أعلم لماذا ربما لأني أردت التخلص منها من قبل و لكنى لم أمتلك الشجاعة. أخذ يقلبها بين يديه يضحك ضحكات قصيرة تتخللها شهقات بكاء أحسست بحرارتها رغم برودة الجو. دفعها إلي قائلا ً: "إنها أجمل مما توقعت" . جذبتها سريعا ً من بين يديه قبل أن يغير رأيه, و بعد أن جاوزته بقليل أخرج قلادة أشد جمالا ً من قلادتي.زاد هذا خوفي من القلادة و من صاحبة الصورة بداخلها .